- mohammed alakkad
- 2:46 ص
- المتحف في الاعلام
- لاتوجد تعليقات
غزة ـ هداية الصعيدي:
لن تحتاج لآلة زمن تعود بها آلاف السنين إن رغبت بمشاهدة آثار الحضارات القديمة التي قامت في تلك الحقبة، فأعمدة الرخام وتيجانها التي كانت تستقر في أعلاها والتي أنشأت عليها قصور تلك الحضارات، والعملات النقدية وشواهد القبور والأسلحة القديمة، وغيرها من المقتنيات التراثية والحضارية، ستجدها ماثلة أمام عينيك في منزل الفلسطيني وليد العقاد، الذي بدأ رحلة جمعه للآثار قبل ثلاثين عامًا.
مراسلة “الأناضول” تجولت داخل متحف “العقاد للتراث والآثار والفنون” المنزلي، والذي يتمنى صاحبه بأن “تتبنى الجهات المختصة إنشاء متحف خاص يليق بتلك المقتنيات الأثرية حتى ترى النور، ويتمكن الجميع من مشاهدتها”.
يوضح العقّاد هدفه من رحلة اقتناء تلك الآثار بقوله:” عملي هذا نابع من الغيرة الوطنية، فعندما كنت أرى الاحتلال يقوم بالتدمير والتخريب وسرقة هذا التراث، قررت أن أقوم بإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا الإرث الحضاري والتاريخي للشعب الفلسطيني الكنعاني العريق”.
ويضيف:” أعتبر هذا العمل واجبًا وطنيًا وأقل ما يقدمه الفلسطيني لشعبه، ورفضت بيع أي قطعة لأني بذلك أكون بعت هويتي الوطنية”.
واحتلت إسرائيل قطاع غزة في يونيو/حزيران 1967، وانسحبت من داخل مدنه منتصف العام 2005، لكنها أبقته محاصرا بقواتها العسكرية.
كان يبلغ العقاد من العمر عشرون ربيعًا عندما بدأ بجمع تلك المقتنيات الثمينة، حتى أنشأ في منزله متحفًا حضاريًا يؤمه طلبة المدارس والجامعات والوفود الخارجية.
وعلى جانبي مدخل منزله الذي غطي بالرمال اصطفت أعمدة رخامية لقصور ومبانٍ قديمة تعود للعصر البيزنطي والروماني، ومنها أعمدة قصر ملكة بيزنطية “هيلانة” الذي أقيم في قطاع غزة قبل حوالي 1650 سنة ميلادية، في مشهد يشعر ناظره بأنه عاد بالزمن آلاف السنيين وبدأ يتنفس عبق الماضي.
وجاور تلك الأعمدة عددًا من الصخور والأحجار القديمة، والتيجان الرخامية الضخمة المنقوشة بزخافة هندسية مختلفة، من الحضارة اليونانية والبيزنطية والرومانية والإسلامية الأموية، والتي يقدر عمرها بآلاف السنيين.
“راحة النفس عند الموت” خطت تلك العبارة على أحد شواهد القبور اليونانية التي يقدر عمرها ب 2300 عام، والتي استطاع العقّاد جمعها، بالإضافة لبلاط قبر روماني قديم، وشواهد قبور ترجع للفترة الإسلامية.
وفي زاوية المدخل الأمامية لم ينسَ القعّاد أن يخصصها لتراث وطنه، فكانت زاوية التراث الفلسطيني، فقد علق على جدران تلك الزاوية الأثواب النسائية المطرزة التي اشتهرت بها نساء فلسطين، وثياب الرجال، وأدوات صناعة الصوف المستخدمة في ذلك الوقت، وأدوات الزراعة القديمة، زاوية أخرى نصب فيها العقّاد خيمة تمثل البيت الشعر العربي.
كانت تلك جولة “الأناضول” في مدخل منزل العقّاد، ليصطحبنا بعدها “جامع الآثار” في جولة أخرى في منزله، حيث خصص غرفة صغيرة تكدست بها عشرات القطع الأثرية القديمة، التي حرمها ضيق المكان من أن تظهر واضحة لناظرها.
واحتوت تلك الغرفة على نقود معدنية لفترة ما قبل الميلاد وبعده، منها اليوناينة والرومانية والبيزنطية والفلسطينية في زمن الفرس، والأموية والعباسية والعثمانية والمصرية أيضًا.
وتزينت جدران الغرفة ب”مفاتيح العودة” –مفاتيح بيوت الفلسطينيين التي هجروا منها في نكبتهم عام 1948-، بأقدم مخطوطة إسلامية تعود للعام 1319م، وأقدم شهادة ميلاد في غزة أصدرتها الدولة العثمانية عام 1305م.
وداخل تلك الغرفة التي بالكاد اتسعت لفريق “الأناضول” كان يحتفظ ضيفنا ببنادق استخدمت في ثورة عبد القادر الحسيني عام 1936م خلال مقاومته للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وكان هناك عددًا من قنابل الغاز والأسلحة التي استخدمت في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
ولم ينسَ أن يجمع بعض مخلفات الأسلحة التي استخدمها الاحتلال الإسرائيلي في حربيه على قطاع غزة.
وشنت إسرائيل حربا على غزة في أواخر عام 2008 واستمرت 21 يومًا قتل خلالها قرابة 1500 شخص، وجرح نحو 5000 آخرين.
كما شنت حربا ثانيا في نوفمبر/ تشرين أول 2012، واستمرت ثمانية أيام.
وعن كيفية حيازة جامع الآثار لتلك المقتنيات يقول العقّاد:” بدأت بجمع تلك الآثار قبل 30 عامًا، فبعد أن كانت تجرف القوات الإسرائيلية المناطق الأثرية والحدودية، كنت أتوجه إلى هناك سرًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من قطع آثار خشية اندثارها وضياعها”.
ويتابع:” كانت تلك الآثار غالبًا مدفونة في باطن الأرض على المناطق الحدودية، لأن الحضارات السابقة اختارت تلك المنطقة لإرتفاعها وسهولة مراقبة الأعداء منها فبنت القلاع والمباني والقصور والثكنات العسكرية فيها”.
كانت رحلة العقّاد في جمع تلك المقتنيات محفوفة بالمخاطر بسبب الاحتلال الإسرائيلي، وتفاديًا لذلك خصص ساعات الليل المتأخرة لجمع الآثار التي تخرج من باطن الأرض بعد هدم وتجريف الاحتلال للمناطق الأثرية.
ويستذكر ضيفنا بعضًا من مضايقات الاحتلال له، حيث داهم الجنود الإسرائيليين منزله لاعتقال شقيقه وابنه ووجدوا لديه بعضا من تلك الآثار التي قاموا بمصادرتها، ومنذ تلك الحادثة بدأ بإخفاء جميع القطع الأثرية التي يجمعها، وخرجت إلى رأت النور عام 1994 بعد قدوم السلطة الفلسطينية لقطاع غزة.
وكلما علم “جامع الآثار” بوجود أي قطعة لدى البعض كان يتوجه على الفور له لشرائها بهدف الحفاظ عليها وألا تقع في أيدي الإسرائيليين.
وأقدم قطعة أثرية في متحف العقّاد تعود للعصر الحديدي قبل 1200 سنة قبل الميلاد.
وبجوار جمع العقّاد للآثار القديمة، قام بتحنيط بعض الزواحف والطيور النادرة.
ويطمح العقّاد أن توفي شركة اسبانية بوعدها؛ حيث وعدته ببناء المتحف، ليكون الاول من نوعه كمنحف خاص في قطاع غزة بجانب المتحف الرسمي الوحيد الموجود حاليا، بعد أن وفر لها قطعة أرض، فهو يتمنى أن تخرج هذه الآثار للنور.
يذكر أن القانون الفلسطيني الحالي لا يجرم اقتناء الآثار.
http://www.raialyoum.com/?p=4973
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق