- saed alakkad
- 1:50 ص
- المتحف في الاعلام
- لاتوجد تعليقات
" متحف العقاد "..تجربة فردية لحفظ التاريخ والتراث
تعد المكتشفات الأثرية سجلاً حقيقياً للتاريخ، الذي لا يقبل مجالا للتشكيك فيه، للتأكيد على ارتباط الفلسطيني بأرضه. ومع إدراك الدولة العبرية لأهمية الآثار الفلسطينية، عكفت منذ احتلالها لفلسطين التاريخية, على سرقة الآثار، في محاولة لتزييف التاريخ، وإيجاد ما يبرر وجودها "الهش" في قلب الوطن العربي. ومن هنا جاءت محاولات الفلسطينيين للحفاظ على الآثار والتراث الفلسطيني من السرقة، ومع ضعف الإمكانات الرسمية، برزت محاولات فردية لحفظ الآثار من خلال التنقيب، والاحتفاظ بالآثار بعيداً عن بطش المحتل، حتى أن بعض المهتمين بهذا المجال يصنفون عملهم كأحد أشكال النضال الوطني.. ومن هؤلاء وليد العقاد الذي يطلق عليه الفلسطينيون لقب "عاشق الآثار".
وحوّل العقاد منزله الريفي في مدينة خانيونس إلى متحف للتراث والآثار..وأضفت البساطة على المكان رونقاً، لكن مقتنيات المتحف توحي للمتجول بأنه يتنقل بين عصور مختلفة، فعلى امتداد الممر المؤدي إلى المتحف من الداخل تجد الأعمدة الأثرية التي يعود تاريخها للعصر البيزنطي والروماني والإسلامي..
وفي داخل المتحف كان "عاشق الآثار" جالساً يتنفس من عبق التاريخ، ويسافر مع تاريخ كل قطعة أثرية إلى زمنها الذي ربما يتمنى في داخله أن يسافر حقا إليه.. ويقول العقاد: إن عشقه للآثار والتراث بدأ منذ سنوات طويلة، بدأ من عشقه الفطري لكل ما هو قديم، على اعتبار أن من لا ماضي له لا يمكن ان يكون له حاضر او مستقبل.. وشيئاً فشيئاً دفعته الغيرة الوطنية على التراث الفلسطيني, إثر محاولات الاحتلال طمس التاريخ الفلسطيني ومحاولة سرقته بما يخدم المخططات الصهيونية، إلى العمل بمبادرة ذاتية على حماية التراث كأحد أشكال النضال الوطني، الذي لا يقل أهمية عن بذل الروح في سبيل الوطن، كون الآثار الشاهد الأكبر على ارتباط الإنسان بأرضه ووطنه.
ولم يدرس العقاد علم الآثار أو حتى التاريخ في الجامعات، غير أن مطالعاته الدائمة مكنته من الاستفاضة في شرح تاريخ كل قطعة أثرية في متحفه الشخصي.. فهذا العمود من العصر الروماني، وذاك من العصر العباسي، وهذه طاحونة مصنوعة من صخور البازلت كانت تستخدم في عصر الزيتون, يعود تاريخها إلى ألفي عام، إلى جانب مئات القطع الأثرية التي تعبر كل منها عن تاريخ وحضارة مرت بأرض بفلسطين.
و أنشئ متحف العقاد بجهود ذاتية خالصة، ويقع في مكان صغير يؤدي إليه طريق ترابي لا يرقى للقيمة التاريخية التي تشكلها القطع الأثرية الموجودة فيه... ويقول العقاد: إن القطع الأثرية التي يمتلكها في متحفه لا تقدر بثمن, فهي تمثل التاريخ الفلسطيني عبر عصور وحضارات عديدة مرت بهذه الأرض وأثرت فيها وتركت دليلا عليها..وهي جزء من آثار كثيرة لا تزال في باطن الأرض في انتظار من يكشف عنها ويعطيها حقها من التعريف والتاريخ ..
وحرص العقاد على إعادة زوار المتحف إلى حقبة ما قبل إقامة الدولة العبرية على أنقاض فلسطين التاريخية، فأقام أمام المتحف بيتاً مصنوعاً من شعر الماشية، الذي كان يسكنه الإنسان الفلسطيني قديماً، وفي داخله وضع كل الأدوات التي كانت شائعة الاستخدام آنذاك كالفرش المصنوعة من شعر الأغنام، والحبال المصنوعة من سعف النخيل، وأدوات القهوة العربية, مثل المحماسة, ودلة القهوة النحاسية.. وفي الداخل ليس هناك حاجة للتدخل البشري فكل شئ يجعلك تتلمس عبق التاريخ وعمق الانتماء لفلسطين.
وتنقسم محتويات المتحف إلى: قسم للآثار, وآخر للتراث، وضمن الجزء الخاص بالآثار هناك ركن خاص بالآثار الرومانية التي تعود إلى ما قبل الميلاد، وأشار العقاد إلى جزء من حجر رخامي يبلغ طوله 90 سم يعود إلى قبر روماني, مع حجر شاهد للقبر عليه نقوش وزخارف هندسية, مع بقايا الجثة التي كانت موجودة في القبر، إضافة إلى قسم خاص بالنقود والعملات القديمة.. وفي ركن آخر توجد مجموعة من الجرار والأباريق والأسرجة من العهد الروماني، وآثار تعود للعهد البيزنطي بينها تاج، وأعمدة رخامية كانت تستخدم في بناء القصور، وعينة من النقود البيزنطية.
ويحتوي المتحف على قطع أثرية تعود للعهدين التركي والعباسي، ونماذج لأنواع من الأسلحة الآلية القديمة، التي استخدمها الفلسطينيون في مراحل النضال ضد المحتلين، وكمية من الذخائر التي يعود تاريخ تصنيعها كما هو مبين في نقوشها إلى عام 1901.
وفي قسم التراث، يمكن للمتجول أن يستشعر التراث الفني الفلسطيني، من خلال الأدوات الموسيقية كاليرغول والربابة والشبابة.. وعلى مقربة منها الأدوات الزراعية التقليدية كالمنجل والمحراث والهوجل والمدراة، وقال العقاد: إن عشقه للآثار جعله دائم البحث والتنقيب عن الآثار في كل مكان، فضلاً عن سعيه إلى شراء قطع أثرية كانت بحوزة أشخاص وضمها إلى المتحف، وبدا التأثر واضحاً على العقاد وهو يقول "كثيراً ما فضلت شراء قطع أثرية على شراء الطعام لأسرتي، كي أحافظ عليها وأحميها من السرقة، أو أن تباع للاحتلال".
وعاد العقاد بذاكرته خمسة وعشرين عاماً إلى الوراء، وقال: إنه استشعر أهمية الآثار والتراث بعد تجربة شخصية عايشها بنفسه عندما اقتحمت قوة إسرائيلية منزل عائلته لاعتقال أحد أشقائه، وحين وقعت عينا الضابط الإسرائيلي على حجر يعود للعهد البيزنطي, كان والده قد أحضره من وسط فلسطين، أمر جنوده بنقل الحجر الأثري معهم وكأنه أمر اعتقال إضافي إلى جانب اعتقال شقيقه، ومنذ ذلك الحين يشير إلى أنه أيقن قيمة هذه الآثار وأهمية الحفاظ عليها من السرقة، متمنياً على كل فلسطيني أن يهتم بتراث بلده.. واحتضن العقاد قطعة أثرية بين ذارعيه قبل أن يقول: "الموت وحده سيضع حداً لشغفي بالآثار والتراث, ولن أتوقف عن البحث والتنقيب طوال سنوات عمري المتبقية، فالنضال لا يتوقف ولا يرتبط بزمن أو مرحلة عمرية".
* نشر في جريدة الشرق الأوسط / الأربعاء 23/5/2007 م .
http://www.aawsat.com/details.asp?section=19&article=420380&issueno=10403
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق